لقد ابتدأ الخطاب في الآية بهذا الأمر الجازم:(اعلموا ... !) والعلم إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع قطعاً ويقيناً، أي بلا تردد ولا شك، ولا ظن. (اعلموا ..) هكذا قطعاً، وجاء المثال القرآني العجيب مرة أخرى بصيغة أخرى: مثال الزرع إذ ينبهر الفلاح بخضرته وجماله وسنبله، فلا يلبث أن يصير حقله الجميل حطاماً، أو حصيداً كأن لم يغن بالأمس! فكذلك الدنيا كلها بزينتها وأموالها وأولادها، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:١٨٥].
وهنا جاء المقابل الأخروي هذه المرة في القرآن الكريم بصيغة فريدة .. لا مثيل لها، جاء طلب المسابقة إلى المغفرة والجنة، ووصف الجنة بما قال عز وجل:{عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الحديد:٢١]، فوصفها بالعرض دون الطول، ذلك هو الزمان الأخروي السعيد، والعمر الجميل المديد، تلك هي الحياة .. {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[النساء:٥٧]، إن (الطول) -كما ذكرنا- مفهوم محدود معدود، والجنة لا حد لها، ولا عد. إنها (الحيوان)، فلا يليق بوصفها من ألفاظ الامتدادات إلا (العرض)، إذ بالعرض تعيش اللحظة الواحدة أكثر من مرة، أما الطول فلا يتيح لك من اللحظة