للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صحيحه قال: (باب العلم قبل القول والعمل)، وقد تقدم ذكر التعليم على التزكية -بناء على الأصل- في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة:١٢٩].

صحيح أن العطف بالواو -في الآيات كما هو في العربية- لا يفيد الترتيب، لكن التقديم والتأخير في البلاغة يفيد الأهمية؛ ومن هنا جاءت التزكية في الآيتين الأوليين مقدمة على التعليم؛ من باب ذكر المقاصد قبل الوسائل؛ لشرف الغاية وعلوها؛ وحتى لا يفتتن السائر بالوسيلة عن الغاية؛ فيضل عنها، ويكون من الخاسرين.

تقول لي: وما بال التحلم؟ أقول: ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ما عَلَّم ولا زَكَّى إلا بحِلْم، فهو الخاصية العظمى لمنهج التعليم والتزكية لديه صلى الله عليه وسلم، كما سترى بحول الله.

والحِلْمُ: الرزانة والكياسة والرحمة والأناة، وهو ضد الجهالة والسفه، والتَّحَلُّمُ: تخلق الحلم، وتكلفه؛ حتى يصير لك خلقاً. ومعنى (اتباع السنة تحلماً): التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ أي في حلمه، وصبره على جهالة الناس، وسفههم. قال عليه الصلاة والسلام: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم. ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه» (١).


(١) رواه الدارقطني في الأفراد عن أبي هريرة، ورواه الخطيب البغدادي عنه، وعن أبي الدر داء، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (٢٣٢٨).

<<  <   >  >>