إن الاتباع العام للرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، إنما مفتاحه التحلم بحلمه.
وهذا -من حيث المعنى- في كتاب الله، ألم تقل عائشة رضي الله عنها:(كان خلقه القرآن)؟ (١)، فالعود إذن للقرآن، نبحث فيه عن معنى الاتباع ومفهوم التأسي، الآية واضحة ظاهرة لكل ذي قلب شهيد، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:٢١]، وإنها لآية عظيمة، وحكمة بالغة، وصراط مستقيم. تدبر هذه العبارة الربانية:{أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فأما الأسوة: فهي التَّخَلُّقٌ. فالتأسي: اتباع السيرة، والتخلق بما كان عليه المتأسَّى به من خلق عام، والخلق هنا هو كل الأوصاف التي كان يوصف بها في سلوكه وعمله، عدا الأوصاف الجبلية، التي لا يمكن اكتسابها بالتأسي ولا بغيره، ووصف الأسوة بـ (الحسنة) دليل على علو شأن الخلق النبوي، وكمال سيرته وسلوكه العام والخاص، فهو لذلك كان أرقى نموذج بشري للتأسي والتخلق، أليس هو (رسول الله) المصنوع على عين الله، والمتأدب بأدب الله؟ بلى والله، فإذن من هاهنا يبدأ التأسي والاتباع، ومن أخطأه هذا المدخل للسنة النبوية فقد أخطأها كلها؛ إذ أتى البيوت من غير أبوابها.