ثم حدث أن جاء إلى العالم نفسه -بعد ذلك- رجل فقير، يشتغل أجيراً، مقابل ما لا يسد حاجته، فشكا -فوق ذلك- ضائقة شديدة ألمت به، فأنزلت به وبأهله ضرراً في الأموال والأبدان! فكان نظر العالم -على ما يعرفه منه ومن حاله، بعد استنفاد كل أبواب الحلال- أن رأى له رخصة المضطر حقيقة، بجواز ارتكاب أخف الضررين اتقاءً لأشدهما؛ وذلك بالاقتراض الربوي، في حدوده المقدرة بقدرها، من بعدما انسدت السبل كلها في وجهه. ثم غاب عنه أياماً؛ حتى ظن أنه قد أتم أمره، ثم لقيه بعد ذلك، فوجده ما يزال يعاني من مشكلته تلك، والخناق لا يزداد إلا اشتداداً عليه، فسأله عما فعل في مسألة الاقتراض، فزفر زفرة كادت تمزق قلبه! فقال: إني ما تجرأت على الاقتراب منه! إني لم أستطع! إني أسأل الله أن يجعل لي مخرجاً غيره!
وعجب العالم من الفرق بين صاحبيه: الأول وهو التاجر، الذي كان يعيش حياة أقرب إلى الترف منها إلى الاعتدال، يمنعه من الربا لكنه يطمع، والثاني: الأجير الذي كان يعيش وأسرته -في كثير من أحواله- على ما لا يسد الحاجة، يفتيه بالرخصة فيمتنع!
قلت: إن الفرق بينهما -لو تدبرت- هو الفرق بين الأعمى والبصير! وبيان ذلك كما يلي: