وإذن؛ دعني أبدأ لك بالدعوى فأقول: إننا -مع الأسف- لا نعرف الله!
نعم، إن وضع المسلمين اليوم يؤكد هذه الحقيقة المؤسفة، تقول كيف؟ إليك البيان:
أما المعرفة بالله فدرجات ومراتب، وما أحسب هذا الشرود الرهيب عن باب الله في هذا الزمان؛ إلا دليلاً قاطعاً على الجهل العظيم، الذي يكبل الناس أن يبحثوا عن ربهم الذي خلقهم؛ مما يصنفنا دون أدنى مراتب المعرفة بالله، تَرَاخَيْنَا عن سلوك طريق المعرفة به في الرخاء، فبقينا هملاً، أو لقى في مزبلة التاريخ! وبقيت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا دون وفاء، فكان لها مفهومها المخالف في واقعنا:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)(١).
لو كان الناس يعرفون الله حقّاً؛ لرأيت الحال غير الحال؛ ولرأيتهم يسابقون في أداء حق الخالقية، وبيان ذلك بالمثال التالي، ولا مشاحة في الأمثال:
إذا قدر الله أن يكون إنسان ما جاهلاً بوالديه -لسبب من الأسباب- كليهما أو أحدهما، لكنه نشأ محتضناً بحضن بعض المحسنين، حتى شب وكبر ثم اكتشف الحقيقة: وهي
(١) رواه الحاكم، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي، وعبد بن حميد، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم: (٢٩٦١).