قبل أن تأكله، وعند بداية الأكل، ثم يبدأ بعد ذلك خط التلذذ في الهبوط حتى درجة الشبع، فالتخمة، حتى يصير اللذيذ بعد ذلك ممجوجاً قبيحاً، وقد كان قبل قليل في غاية اللذة.
وقس على ذلك كل المتع الدنيوية، مما زين للناس، من مثل الوارد في قوله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران:١٤]. إن طبيعة الشهوات الدنيا أنها فانية، لا تكاد تبتدئ حتى تنتهي! وإنما جمال المتعة هو الخلود فيها. هذا هو الجمال الحق، وتلك هي الحياة الحق؛ ولذلك قال بعد مباشرة، ناسخاً قبح الزوال بجمال الخلود:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران:١٥]. قضية العمر أو الزمان راجعة إلى هذا المعنى، فالفرق فيه ما بين الوهم والحقيقة؛ هو بالضبط فرق ما بين الفناء والبقاء.
وما أجمل قول الله الملك السلام، في آيتي (يونس) مما أوردنا قبل؛ للتدبر: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا