جئنا إلى هذه الصورة: إذا شرط فيها الانتقاض بالسب فعلى ما قاله الإمام لا ذمة لهم إذا سبوا، لأنا إن صححناه مؤقتًا فقد انقضى، وإلا فهو فاسد، وعلى ما حكى عن الأصحاب من فساد الشرط وتأبد العقد في تلك الصور لا يجري هنا، لأن تلك الصور من إظهار الخمر وغيره لم يشرع شرط الانتقاض بها في العقد، فلذلك يُلغى ويتأبد العقد، وأما هنا فشرط الانتقاض بالسب مشروع فلا يجوز إلغاؤه، والأولى الحكم بصحة العقد مؤقتًا وإن كان الوقت مجهولاً كما اقتضاه كلام الشافعي، ويحتمل أن يجري فيه خلاف بعيد أنه يفسد.
وأما القول بتأبيده ولا ينتقض بالسب فهذا يستحيل القول به من فقيه يتأمل ما يقول.
وينبغي أن نذكر هنا شروط عمر رضي الله عنه، فإنه العمدة في هذا الباب، فإنه الذي أجلى اليهود إلى أراضي الشام وأخذ العهد عليهم وعلى النصارى بمحضر من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الذين هم صدر الأمة وسلفها، وليس لأحدٍ من الأئمة بعده أن يصالحهم بدون شيء من الشروط التي شرط عمر رضي الله عنه، وجميع أهل الذمة إنما هم جارون على شروط عمر رضي الله عنه، لأنا لا نعرف أحدًا بعده من الأئمة عقد لهم عقدًا يخالف عقده، بل كل الأئمة يعتمدون شروطه ويجرون عليها، ولهذا نقول: إنا متى جهلنا الحال في تلك الشروط هل شرطت أو لا: يحمل الأمر على أنها شرطت؛ لأن العرف الشرعي صار قاضيًا في ذلك بالحمل على شروط، وجميع أهل الذمة اليوم لا يعرف أن إمامًا عقد لهم، فهم إما أن نقول: إنهم جارون على عقد آبائهم الذين تناقلوه من عهد عمر إليهم، وإما أن نقول: لا ذمة لهم، ولم يكن لغير عمر من الأئمة شرط يعرف ولا عقد يعتمد.