لأن المحقق في حال كعبٍ وغيرِهِ من يهود المدينة الموادعة، وهي التي قالها الشافعي، ومعناها المتاركة، ولا يلزم من ذلك أن يكون بعقد يستحق به الأمان، فقد يكونُ باقيًا على أحكام الحرابة مع الكف عنه، وذلك لا يضرنا فيما قصدناه من الاحتجاج بترتيب الشارع القتل على الأذى؛ بل ينفع ويزيد في المقصود.
وقد قدمنا من كلام الروياني والماوردي ما يقتضي أن سب الرسول والقرآن من المعاهد إن كان جهرًا ينقض الهدنة ولا يتوقف على الحاكم، وإن كان سرًا كان كالخيانة، فللإمام نقضها به، ولا شك أن سب كعب بن الأشرف كان جهرًا، فلذلك كان منتقض العهد يجوز تبييته وشن الغارة عليه بلا خلاف.
فإن قلت: في الروايات المتقدمة ما يقتضي أن الله تعالى أوحى إلى نبيه حال كعب بن الاشرف، فلعله لما اطلع الله تعالى من قلبه أمر بقتله، وذلك لا يوجد في غيره.
قلت: نحن متعبدون ببناء الأحكام على أسبابها الظاهرة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يبني الأحكام على الأمور الباطنة وإن جاء بها الوحي، بل على الأسباب التي نصبها في الشريعة، ألا ترى إلى المنافقين مع إعلام الله له بحالهم/ لم يقتلهم لعدم قيام البينة أو الإقرار اللذين نصبهما حجة شرعية؟ وإن كان قد علل ترك قتلهم بغير ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" أو غير ذلك.