للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أن العادة كانت جرت بالمبايعة، ولعل ذلك كان شرطًا في الإسلام في أول الإسلام، فلذلك أتى به ليبايعه، ولهذا كان أبو سفيان بن الحارث وغيره ممن صدر منه ما صدر لما جاؤوا مسلمين صاروا خائفين إلى أن قبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامهم، فإما أن يكون ذلك لأن المبايعة في ذلك الوقت كانت شرطًا في صحة الإسلام، وإما لأن بها يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علم صحة الإسلام وليس بنفاق، وإما لقصد أنه مقبول عند الله تعالى، كما في توبة كعب بن مالك ورفيقيه، فإنهما كانا نادمين تائبين، ومع ذلك لم تنزل توبة الله عليهم إلا بعد خمسين ليلة.

وهذا ذكرناه هنا استطرادًا لقضية أبي سفيان بن الحارث وأضرابه، وأما ابن أبي سرح فلم يكن كذلك، بل لم يصح إسلامه ظاهرًا وباطنًا حتى بايعه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتلفظ قبله بكلمة الإسلام إلا على ما ذكره بعض أهل السير، ولم يثبت.

فإن قلت: فإذا كان الحكم أن بالإسلام يسقط القتل وتصح التوبة، وابن أبي سرح قد جاء لذلك، فلم أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأراد أن بعض أصحابه يتفطن فيقتله، وهو أعظم الخلق شفقة ولا ينتقم لنفسه وإنما ينتقم لله؟

قلت: نعم هو صلى الله عليه وسلم كذلك أعظم الخلق شفقة ورحمة ورأفة وتحببًا وتعطفًا، ولا ينتقم لنفسه وإنما ينتقم لله، وكان الإعراض عن ابن أبي سرح

<<  <   >  >>