تلفَّت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا
وأذكر أيام الحِمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدَّعا
ثم قال:
وليس عشيَّات الهوى برواجع ... إليك، ولكن خل عينيك تدمعا
بكت عيني اليُمنى، فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الشيب أسبلتا معا
فكل هذه الأبيات هي مخاطبة منهم لغيرهم، والمراد بذلك أنفسهم، ثم يرجعون إلى مخاطبة أنفسهم كما ترى. وهو أكثر من أن يؤتى عليه في أشعارهم وكلامهم. والشاعر يخاطب نفسه كأنه يراها، ويخبر عن نفسه كأنه يخاطب غيره.
قال لبيد:
كبيشة حلت بعد عهدك عاقلا ... وكانت له شغلاً، على النأي شاغلا
وقال آخر:
نظر ابن سعد نظرة ويْب بها ... كانت لصحبك والمطي خبالا
أراد: نظرت نظرة فعشقت، وكانت حزناً. ثم خاطب نفسه فقال: كانت لصحبك. وابن سعد هو نفسه. ويْب بها: حُزن بها. وكان أصل الكلمة: ويب بفلان: أي حُزنٌ. ثم كثرت حتى جعلوها حرفاً واحداً، فقالوا: ويب فلان، وويب فلان. ثم أفردوها ونوّنوها فقالوا: ويب بفلان، وويباً بفلان.