وقالوا على التسليم: أن الذي يأخذه العامل أجرة عمل لا صدقة بدليل أنه يستحق بالعمل إلا أنه لما دخل في سهام الصدقات أشبه الصدقة من وجه فلم يحل للهاشمي ونزه عنه، لأن حرمة الصدقة عليه على سبيل التنزيه له عن غسالة أوساخ الناس ومن تمام التنزيه أن ينزه عن ما يشبه الصدقة.
وأما الغني فلم تحرم عليه الصدقة على طريق التنزيه له إنما حرم لعدم الحاجة وبالعمل ظهر نوع حاجة إلا أنه لما شغل نفسه وأعوانه بجمع الصدقات فلابد من جامع لها ولابد من كفاية رزق مثل أرزاق القضاة، والأئمة والمحتسبين والمؤذنين وغيرهم الذين يشغلون أنفسهم بأعمال المصالح فحل له أجرة عمل بعمله ولم ينظر في جريانه في سهام الصدقات وكونه غنياً في نفسه، لأن حدوث نوع حاجة له بالعمل قد منع النظر إلى غناء وجريانه في سهام الصدقة.
قالوا: وأما إذا كان له خمس من الإبل مهازيل فإذا أوجبنا عليه الزكاة حرمنا عليه الصدقة.
وأما إذا كان عنده من الفاضل عن ثياب المهنة وأقمشة البذلة ما يبلغ قيمته نصاباً لم يحل له الصدقة لغناه، ولم تجب عليه الزكاة لفقد شرط شرعي اعتبر مع الغنا وهو كون النصاب بوصف النما ليندفع الحرج بإيجاب الزكاة ويصير الوجوب بوصف اليسر، فهذه مسائل تمسكتم بصورها وهي خارجة عن المعاني القادمة المؤثرة، وأما القاعدة فهي على حقيقتها في نهاية الوضوح على ما سبق.