غير سبيل المؤمنين، وقال الله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)} ... (١)[النساء: ١١٥].
فقال قائل منهم: لا، بل نقول بالمعقول.
قلنا: هاهنا ضللتم عن سواء السبيل، ووقعتم في تِيِهٍ لا مخرجَ لكم منه؛ لأن المعقول ليس لشيءٍ واحدٍ موصوفٌ بحدود عند جميع الناس، فَيُقْتَصَرُ عليه، ولو كان كذلك؛ كان راحة للناس، ولقلنا به، ولم نعد، ولم يكن الله تبارك وتعالى قال: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣)} [المؤمنون: ٥٣] فوجدنا المعقول عند كل حزب ما هم عليه، والمجهول عندهم ما خالفهم، فوجدنا فِرَقَكُم معشر الجهمية في المعقول مختلفين، كُلُّ فرقةٍ منكم تَدَّعي أن المعقول عندها ما تدعو إليه، والمجهول ما خالفها، فحين رأينا المعقول اختلف منا ومنكم ومن جميع أهل الأهواء ولم نقف له على حد بَيِّنٍ في كل شيء؛ رأينا أرشدَ الوجوهِ وأهداها أن نَرُدَّ المعقولات كُلَّهَا إلى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى المعقولِ عند أصحابه المستفيض بين أَظْهُرِهِم؛ لأن الوحيَ كان يَنْزِلُ بين أَظهرهم، فكانوا أعلم بتأويله مِنَّا ومنكم، وكانوا مؤتلفين في أصول الدين لم يفترقوا فيه، ولم يظهر فيهم البدع، والأهواء الحائدة عن الطريق، فالمعقول عندنا ما وافق هَدْيَهُم، والمجهول ما خالفهم، ولا سبيل إلى معرفة هديهم وطريقتهم، إلا هذه الآثار، وقد انسلختم منها وانتفيتم منها بزعمكم، فَأَنَّى تهتدون؟