عنهم، مستفيضةٌ فيهم، يَتَوَارَثُونها عن أعلام الناس وفُقَهَائِهِم قَرنًا بعد قرن؟ قالوا: نعم.
قلنا: فحسبنا إقراركم بها عليكم حجة، لدعوانا أنها مشهورة مروية تداولتها العلماء والفقهاء، فهاتوا عنهم مثلها حجة لدعواكم التي كَذَّبَتْها الآثارُ كُلُّهَا، فلا تقدرون أن تأتوا فيها بخبر ولا أثر، وقد علمتم إن شاء الله أنه لا يَسْتَدرِكُ سُنَنَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهِ وأحكامِهم وقضاياهُم، إلا بهذه الآثار والأسانيد على ما فيها من الاختلاف، وهي السبب إلى ذلك، والنهج الذي دَرَجَ عليه المسلمون، وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله - عز وجل -، منها يقتسمون (١) العلم وبها يقضون، وبها يُقِيمُون، وعليها يعتمدون، وبها يتزينون، يرثها الأول منهم الآخر، ويبلغها الشاهد منهم الغائب، احتجاجًا بها، واحتسابًا في أدائها إلى من لم يسمعها، يسمونها السُّنَنَ والآثار والفقه والعلم، ويضربون في طلبها شرقَ الأرضِ وغربها، يُحِلُّونَ بها حلالَ اللهِ ويحرمون بها حرامه، ويميزون بها بين الحقِّ والباطل، والسُّنَنِ والبِدَعِ، ويستدلون بها على تفسير القرآن، ومعانيه، وأحكامه، ويَعْرِفُونَ بها ضَلالةَ مَنْ ضَلَّ عن الهُدَى، فمن رغب عنها؛ فإنما يَرْغَبُ عن آثارِ السَّلَفِ، وهَدْيِهِم ويريد مخالفتهم؛ لِيَتَّخِذَ دينَه هواه، وليتأول كتابَ اللهِ برأيه خلاف ما عنى الله به.
فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أَسْلاَفِهِم؛ فاقْتَبِسُوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى في سبيله، وارضوا بهذه الآثار إمامًا كما رضي بها القومُ لأنفسهم إمامًا، فَلَعَمْرِي ما أنتم أَعْلَمُ بكتابِ الله منهم، ولا مثلهم، ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما ترون، فمن لم يقبلها؛ فإنه يريد أن يتبع