بربوبيته؛ ليؤمن به من قد سبقت له منه السعادة، ويحق القول على الكافرين، ولو قد تجلى لهم لآمن به من في الأرض كلهم جميعًا بغير رسل، ولا كُتُبٍ، ولا دُعاة، ولم يعصوه طرفةَ عين، فإذا كان يوم القيامة، تجلى لمن آمن به، وصدَّق رسله وكتبه، وآمن برؤيته، وأقرَّ بصفاته التِي وصف بها نفسه حتى يروه عيانًا، مَثُوبة منهم لهم، وإكرامًا، ليزدادوا -بالنظر إلى من عبدوه بالغيب- نَعيمًا وبرؤيته فرحًا واغتباطًا، ولم يُحْرَمُوا رؤيتَه في الدنيا والآخرة جميعًا، وحجب عنه الكفار يومئِذٍ، إذ حُرِمُوا رؤيتَه كما حُرِمُوهَا في الدنيا؛ ليزدادوا حسرةً وثُبُورًا.
فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌ منهم بقول الله تعالى لموسى {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}[الأعراف: ١٤٣].
قلنا: هذا لنا عليكم لا لكم، إنما قال لن تراني في الدنيا؛ لأن بَصَر موسى من الأبصارِ التي كتب الله عليها الفناء في الدنيا، فلا تحتمل (١) النظر إلى نور البقاء، فإذا كان يومُ القيامةِ رُكِّبَتِ الأبصارُ والأسماعُ للبقاء، فاحتملت النظر إلى الله - عز وجل - بما طَوَّقَها الله، ألا ترى أنه يقول {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}، ولو قد شاء لاستقر الجبلُ ورآه موسى، ولكن سَبَقتْ منه الكَلِمة، أن لا يَراهُ أحدٌ في الدنيا؛ فلذلك قال:{لَنْ تَرَانِي}، فأما في الآخرة، فإن الله تعالى يُنْشِئُ خلقَهُ فَيُرَكِّبُ أَسماعَهُم وأَبْصَارَهُم للبقاء، فيراه أولياؤُه جَهرًا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال بعضهم: إنا لا نقبل هذه الآثار ولا نحتج بها، قلت: أجل ولا كتاب الله تقبلون، أرأيتم إن لم تقبلوها، أَتَشُكُّونَ أَنها مَرْويَّةٌ عن السَّلفِ مَأْثُورةٌ