للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رؤية الشمس والقمر في الصحو، ثم ما رَوَيْنَا عن هذه الجماعة من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين، فهل عندكم ما رد ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع من الأمة؟

فَاحْتَجَّ بحديث أبي ذَرٍّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نُورٌ أَنَّى أراه، فقلت: هذا في الدنيا، وكِلاهُما قد قاله رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتفسيرهما بَيَّنٌ في الحديثين جميعًا، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: من زعم أن محمدًا رأى ربه - عز وجل - فقد أعظم على اللهِ الفِرْيَة، وتَلَتْ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} [الأنعام: ١٠٣].

(١١٠) حدثناه عمرو بن عون، عن هشيم، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة (١).

قال أبو سعيد: وأنتم وجميعُ الأُمَّةِ تقول به، إنه لم ير ولا يُرَى في الدنيا، فأما في الآخرة، فما أكبر نعيم أهل الجنة إلا النظر إلى وجهه، والخَيْبَةُ لمن حُرِمَه، وما تعجبون من أن كان الله ولا شيء من خلقه، ثم خَلَق الخَلْقَ، ثم استوى على عرشه فوق سماواته، واحتجب من خلقه بِحُجُب النَّارِ والظُّلْمةِ كما جاءت به الآثار، ثم أرسل إليهم رُسُلَه يُعَرِّفُهُم نَفْسَه بصفاته المقَدَّس، لِيَبْلُوا بِذلك إيمانهم، أَيُّهُم يؤمن به، ويعرفه بالغيب ولم يره، وإنما يجزى العباد على إيمانهم بالله بالغيب؛ لأن الله - عز وجل - لو تَبَدَّى لخلقه، وتجلى لهم في الدنيا، لم يكن لإيمان الغَيْبِ هناك معنى، كما أنه لم يكفر به عندها كافر، ولا عصاه عاصٍ، ولكنه احتجب عنهم في الدنيا، ودعاهم إلى الإيمان به بالغيب، وإلى معرفته، والإقرار


(١) صحيح، تقدم تخريجه رقم (٥٣).

<<  <   >  >>