للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

غيرَ البَصَرِ، هو كله -بزعمهم- سَمْعٌ وبَصَرٌ وعِلْمٌ، وهو بكليته في كل مكان إن عَلِمَ؛ بِكُلِّهِ، وإِنْ سَمِعَ؛ سَمِعَ بِكُلِّهِ، وإنْ رَأى؛- رَأَى بِكُلِّهِ.

ويزعمون أن علمَ اللهِ بمنزلةِ النَّظرِ والمشاهدة، لا يعلم بالشيءِ حتَّى يكون، فإذا كان الشيء عَلِمَ به عِلْمَ كينُونَتِهِ، لا بِعِلْمٍ لم يَزَلْ في نفسه قبل كينونته، ولكن إذا حدث الشَّيءُ؛ كان هو عند الشيءِ، ومعه الشيء بنفسه، فإن أراد ذلك الشيءَ؛ كان هو يَدُلُّ الشيءَ -بزعمهم- من مكانه، فَذَلِكَ إحاطة عِلْمِ اللهِ بالأشياء عندهم، لا أن يكون عَلِمَ بشيءٍ منها في نفسه قبل كينونته، فتبارك ربُّ العالمينَ وتَعَالى عمَّا يَصِفُونَ.

هذا هو الردُّ لكتابِ اللهِ، والجحودُ لآياتِ الله، وصاحبُ هذا المذهب؛ يُخْرِجُهُ مَذْهَبُهُ إلى مَذْهَبِ الزَّنْدَقَةِ، حَتَّى لا يُؤْمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ؛ لأَنَّ الذي لا يُقِرُّ بالعِلْمِ السَّابِق بالأشياء قبل أن تكون، يَلْزَمُهُ في مَذْهَبِهِ أَنْ لا يؤمنُ بِيَومِ الِحسابِ وبقيامِ السَّاعةِ والبَعْثِ والثَّوابِ والعِقَابِ؛ لأن العِبَادَ إِنَّما لَزِمَهُم الإيمانُ بها لإخبار الله بأن الساعةَ آتيةٌ لا رَيْبَ فيها، وأن الله يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ، وأنه مُحَاسِبُهُم يومَ الحِسَابِ، مُثِيُبُهم ومُعَاقِبُهُم.

فإذا كان الله -بزعمهم- لا يعلمُ بالشَّيءِ حتى يكون، وكيف (١) عَلِمَ -في مذهبهم- بقيام الساعة، والبعث؟! ولم تقم الساعةُ بعد، ولا تقوم إلا بعد فناءِ الخلقِ، وارتفاعِ الدُّنيَا.

فإن أَقَرُّوا لله بِعِلمِ قِيَامِ السَّاعَةِ والبَعْثِ والحساب؛ لَزِمَهُم أن يُقِرُّوا له بعلم كُلِّ شَيءٍ دُونَها، فإن أنكروا عِلْمَ اللهِ - عز وجل - بما دونها؛ لَزِمَهُم الإنكار بها


(١) قوله «وكيف» في المطبوعة حذف حرف الواو مع إقراره أنها في الأصل.

<<  <   >  >>