وبلا ريب، أن من جمع علم هؤلاء الخمسة، وأحاط بسائر حديثهم، وكتبه عاليًا ونازلًا، وفهم عِلَلَهُ، فقد أحاط بشطر السنة النبوية، بل بأكثر من ذلك، وقد عدم في زماننا من ينهض بهذا، وببعضه، فنسأل الله المغفرة.
وأيضا فلو أراد أحد أن يتتبع حديث الثوري وحده، ويكتبه بأسانيد نفسه على طولها، ويبين صحيحه من سقيمه، لكان يجئ مسنده في عشر مجلدات، وإنما شأن المحدث اليوم الاعتناء بالدواوين الستة، ومسند أحمد بن حنبل، وسنن البيهقي، وضبط متونها وأسانيدها، ثم لا ينتفع بذلك حتى يتقي ربه، ويدين بالحديث، فعلى علم الحديث وعلمائه ليبك من كان باكيًا، فقد عاد الإسلام المحض غريبًا كما بدأ، فليسع امرؤ في فكاك رقبته من النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم العلم ليس هو بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع.
وفقنا الله وإياكم لطاعته.
قال المحدث يحيى بن أحمد بن زياد الهروي، صاحب ابن معين: رأيت في النوم كأن قائلا يقول: إن عثمان - يعني الدارمي - لذو حظ عظيم.
وقال محمد بن المنذر شكر: سمعت أبا زرعة الرازي، وسألته عن عثمان بن سعيد، فقال: ذاك رُزِقَ حسن التصنيف.