فلم يَقْدَر الجنُّ والأنسُ عَربُها وعَجَمُها، من عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وعُلَماءِ أهلِ الكِتَابَيْنِ، أن يَأتُوا بِسُورَةٍ ولا بِبَعْضِ سُورَةٍ، ولَوْ عَلِمُوا أَنَّهم قادرونَ عليها؛ لَدَعَوْا شُهَدَاءَهُم إلى ذلك، وبَذَلُوا فيها الرَّغَائِبَ من الأموالِ وغَيرِهَا لخطبائهم وشعرائهم وأَحْبَارِهِم وأَسَاقِفَتِهِم وكَهَنَتِهِمْ وسَحَرَتِهِم؛ أن يأتوا بسورة مثلها تَصْدِيقًا لما ادَّعَوا من الزُّورِ تكذيبًا بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
وأنَّى يأتي المخلوقُ بمثل كلام الخالق؟! وكيف يَقْدِرُ عليه؟! وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا، فلن تفعلوا إلى يوم القيامة، فكما أنه ليس كمثله شيء؛ فليس ككلامه كلام.
فلم يزلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يدعو النَّاسَ إلى اللهِ وإِلى كتابه وكلامه سِرًّا وجَهْرًا، مُحْتَمِلاً لما نَالَهُ من أَذَاهُم صَابرًا عليه.
حتَّى أظهره اللهُ وأعزَّهُ وأنزل عليه نَصرَهُ؛ فضربَ وجوهَ العَرَبِ والعَجَمِ بالسيوفِ؛ حتى ذَلُّوا ودَانُوا ودخلوا الإِسْلَامَ طَوْعًا وكَرْهًا، واستقاموا حَيَاتَهُ وبعدَ وفاتِهِ، لا يَجْتَرِئُ كافرٌ ولا منافقٌ مُتَعَوِّذٌ بالإسلام أن يُظهِرَ ما في نفسه من الكُفْرِ وإِنْكَارِ النُّبوَّةِ؛ فَرَقاً من السَّيف وتَخَوُّفاً من الافْتِضَاحِ، بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ مع المسلمين بِغَمٍّ، ويعيشون فيهم على رُغمٍ دَهْرًا