للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خافية في السماوات ولا في الأرض، فهو كذلك رابعُهُم وخامسُهُم وسادسُهُم، لا أنه معهم بنفسه في الأرض كما ادَّعيتم، وكذلك فَسَّرتهُ العلماءُ.

فقال بعضهم: دعونا من تفسير العلماء، إنما احتججنا بكتاب الله؛ فأتوا بكتاب الله.

قلنا نعم، هذا الذي احتججتم به هو حقٌ كما قال الله - عز وجل - وبها نقول على المعنى الذي ذكرنا، غيرَ أنَّكم جَهِلتُم معناها؛ فضللتم عن سواء السبيل، وتعلقتم بوسط الآية، وأغفلتم فاتحتها وخاتمتها؛ لأن الله - عز وجل - افتتح الآية بالعلم بهم، وختمها به فقال: {أَلَمْ تَرَ (١) ... أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)} [المجادلة: ٧].

ففي هذا دليلٌ على أنه أراد العلم بهم وبأعمالهم، لا بأنه نفسه في كل مكان معهم كما زعمتم، فهذه حُجَّةٌ بالغة لو عقلتم.

وأُخرَى؛ أنَّا لما سمعنا قولَ الله - عز وجل - في كتابه {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] و {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: ١١] وقوله: {ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٣ - ٤] وقوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: ٥] و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨] و {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: ٥٥] وما أشبهها من القرآن آمنا به، وعلمنا يقينا بلا شك أن الله فوق عرشه فوق سمواته كما وصف، بائن من خلقه.


(١) في الأصل تعلم وهو خطأ وقد وافق محقق المطبوعة الأصل في هذا الموضع!!

<<  <   >  >>