للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن يَخْلُقَ الخلقَ والأمكنة؟ قالوا: نعم، قلنا: فحين خَلَقَ الخَلْقَ والأمكنة، أَقَدَرَ أن يَبْقَى كما كان في أَزَلِيَّتِهِ في غير مكان؛ فلا يصير في شيء من الخلق والأمكنة التي خلقها بزعمكم؟ أولم يجد بُدًّا من أن يصير فيها، أو لم يستغن عن ذلك؟ قالوا: بلى.

قلنا: فما الذي دعا المَلِكَ القُدُّوسَ إذْ هو على عرشه في عِزِّهِ و [بهائه] (١) بائِنٌ من خلقه، أن يَصِيرَ في الأمكنة القذرة وأجواف الناس والطير والبهائم، ويُصَيِّرَ بِزعمِكُم -في كل زاويةٍ وحجرةٍ ومكان- منه شيء؟!

لقد شَوَّهتُم معبودَكُم؛ إذ كانت هذه صفته، والله أعلى وأَجَلُّ من أن تكون هذه صفته، فلا بُدَّ لكم من أن تأتوا ببرهان بَيِّنٍ على دعواكم، من كتابٍ ناطقٍ أو سُنَّةٍ ماضيةٍ أو إجماع من المسلمين، ولن تأتوا بشيء منه أبدًا.

فاحْتَجَّ بعضهُم فيه بكلمةِ زندقةٍ، أَسْتوْحِشُ مِنْ ذِكرِهَا، وتَسَتَّرَ آخرُ مِن زَنْدَقَةِ صاحبِه فقال: قال الله تعالى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)} [المجادلة: ٧].

قلنا: هذه الآية لنا عليكم، لا لكم؛ إنما يعني أنه حاضرٌ كلَّ نجوى ومع كُلِّ أَحدٍ من فوق العرش بعلمه؛ لأن عِلمَه بهم محيط، وبَصَرَهُ فيهم نافِذٌ، لا يَحْجُبُهُ شيءٌ عن علمه وبصره، ولا يتوارون منه بشيء, وهو بكماله فوق العرش بائِنٌ من خلقه يعلم السِّرَّ وأخفى، أقرب إلى أحدهم-من فوق العرش- من حبل الوريد، قادرٌ على أن يكون له ذلك؛ لأنه لا يَبْعُدُ عنه شيءٌ ولا تخفى عليه


(١) في الأصل رسمها هكذا «نهابه» والذي يظهر أنه تصحيف، وقد كرر المصنف هذه الكلمة التي أثبتناها في أكثر من موضع على الصواب.

<<  <   >  >>