فهذا الناطق من قول الله - عز وجل -، وذاك المحفوظ من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأخبار ليس عليها غُبَار، فإن كنتم من عباد الله المؤمنين؛ لَزِمَكُم الإيمان بها كما آمن بها المؤمنون، وإلا فَصَرِّحُوا بما تُضْمِرُون، ودعوا هذه الأُغْلُوطَات التي تلوون بها ألسنتكم، فلئِن كان أهلُ الجهل في شكٍ من أَمرِكُم، إن أهل العلم من أمركم لعلى يقين.
قال: فقال قائِلٌ منهم: معنى إتيانه في ظُلَلٍ من الغَمَامِ، ومجيئه والمَلَكُ صفًا صفًّا، كمعنى كذا وكذا.
قلت: هذا التكذيب بالآية صُرَاحًا، تلك معناها بَيِّنٌ للأمة لا اختلاف بيننا وبينكم وبين المسلمين في معناها المفهوم المعقول عند جميع المسلمين، فأما مجيئه يوم القيامة وإتيانه في ظُلَلٍ من الغَمامِ والملائكة، فلا اختلاف بين الأمة أنه إنما يأتيهم يومئذ كذلك لمحاسبتهم، وليصدع بين خلقه، ويقررهم بأعمالهم، ويجزيهم بها، ولينصف المظلوم منهم من الظالم، لا يتولى ذلك أحدٌ غيره، تبارك اسمه وتعالى جَدُّهُ، فمن لم يؤمن بذلك؛ لم يؤمن بيوم الحساب.
ولكن إن كنتم محقِّين في تأويلكم هذا، وما ادَّعيتم من باطلكم ولستم كذلك؛ فأتوا بحديث يُقُوِّي مَذْهَبَكُم فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بتفسير تأثرونه صحيحًا عن أحد من الصحابة أو التابعين، كما أتيناكم به عنهم نحن لمذهبنا، وإلا فمتى نزلت الجهمية من العلم بكتاب الله وبتفسيره المنزلة التي يجب على الناس قبول قولهم فيه، وترك ما يؤثر من خلافهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه وعن التابعين بعدهم.
هذا حدث كبير في الإسلام، وظُلْمٌ عظيم، أن يَتْبَعَ تَفْسِيرَكُم كِتَابُ اللهِ بلا أثر، ويَتْرُكَ المأثورَ فيه الصحيح من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين