ومَتَى ما قَدَرْتُم أن تجامعوا أهلَ العلمِ في مجالسِهِم، أو تَنْتَحِلُوا شَيئًا من العلم في آَبَادِ الدَّهْرِ -إلا مُنَافَقَةً واستتارًا- حتى تتقلدوا اليوم من تفسير كتاب الله ما كان يَتَوقَّى أَوْضَحَ منه أَصحَابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ لقد عدوتم طَوْرَكُم، وأَنْزَلتُم أنفَسَكُم المنزلةَ التِي بَعَّدَكُم الله منها، ثم المسلمون، ولو لم يوجد فيها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه خبرًا (١) ولا أثرًا؛ لم تكونوا مُؤْتَمَنِينَ على كتاب الله وتفسيره، أن يَلْتَفِتَ إلى شيءٍ من أقاويلِكم، أو يَعْتَمِدَ على شيءٍ من تَفْسِيرِكم كِتَابُ اللهِ، لما ظَهَرَ للأمة من إِلحادِكُم، فكيف إذا هم خالفوكم؟!
قال أبو سعيد رحمه الله: ومما يَرُدُّ هذا ويُبطِلُهُ قولُه تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} الآية [الأنعام: ١٥٨]، فهذا مما يحقق دعوانا، ويبطل دعواكم التي تَخَرَّصْتُمُوهَا عَدْوًا بغير علم في إتيان الله تعالى ومجيئه يوم القيامة والمَلَكُ صفًا صفًا، فإن أَبَيتُم إلا لزومًا لتفسيركم هذا ومخالفة لما احتججنا به من كتاب الله، وآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه ليس لكم من الرُّسُوخِ في العلم، والمعرفة بالكتاب والسنة ما يعتمد فيه على تفسيركم، لو قد أصبتم الحق، فكيف إذا أنتم أخطأتموه! ولكن بيننا وبينكم حجةٌ واضحةٌ يَعْقِلُهَا من شاء الله من النساء والولدان.
(١) كذا في الأصل، والجادة الرفع، ووجه النصب؛ حذف نائب الفاعل، وتقديره «إيجاد»، ونظيره في القرآن قوله تعالى: {لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: ١٤]، كما في قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة، وأيضًا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُجِّي ... الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)} [الأنبياء: ٨٨]، كما في قراءة ابن عامر، وأبي بكر، وينظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٩/ ١٥٢).