فإن أقروا أنهم من الملائكة الذين عنده دون سِوَاهُم، فقد أصابوا ما أَرَادَ اللهُ، ونَقَضُوا قَوْلَهُم: أَنَّ اللهَ في كل مكان، وأقروا له بِالْحَدِّ، وأَنَّه فوقَ السَّمَاواتِ، والمَلائِكةَ عِنْدَهُ لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون، وإن لم يقروا به، كانوا بذلك جاحدين لتَنْزيِلِ الله تعالى، ويَلْزَمُهُم في دعواهم أن يشهدوا لجميع عبدةِ الأوثان وعبدةِ الشمسِ والقمرِ والجنِّ والإنسِ وكفرةِ أهلِ الكتابين والمجوس، أنهم كلهم عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون؛ لأن الله تعالى قد أخبر أن الذين عنده كذلك صفاتهم، فإن يكن الخلق كلهم في دعواهم عنده، وهو عندهم، وكُلٌّ يُسَبِّحُ له ويسجد له ولا يستكبر عن عبادته، ومن قال هذا؛ فقد كفر بكتاب الله، وجَحَدَ بآياتِ اللهِ؛ لأن الله تعالى وصف الملائكة الذين عنده بهذه الصفة، ووصف كُفَّارَ الجِنِّ والإنس وعَبَدَةِ الأَوْثَانِ بالعُتُوِّ والاسْتِكْبَارِ عن عبادته والنُّفُورِ عَنْ طَاعَتِهِ.
قال تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١)} [الفرقان: ٢١]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}[الفرقان: ٦٠]، فافهموا هذه الآية؛ فإنها قاطعةٌ لِحُجَجِهِم.