للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وسماواتُهُ فوقَ أرضِهِ كالقُبَّةِ، وكما وَصَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو يُنْزِلُ ملائِكةً مِنْ عنده بالمشرقِ، وملائكةً بالمغربِ، وملائِكةً إلى تُخُومِ الأرضِ للأمرِ مِنْ أُمُورِهِ، ولِرَحْمَتِهِ، ولِعَذابِهِ، ولِمَا يَشَاءُ مِن أموره، فلو أَنْزَلَ أَحَدَ هَؤلاءِ الأربعةِ بالمشرقِ، والثَّاني بِالمغربِ، والثالثَ أَنزلَهُ مِنَ السماءِ إلى تُخُومِ الأرضِ للأمر من أموره، ثُمَّ عَرَجُوا منها والْتَقَوْا جَمِيعًا في مُلْتَقَى مِنَ الأَرضِ مَع رَابِعٍ نَزَلَ مِنْ مُلتقَاهُم مِنَ السَّماءِ، فَسُئِلوا جَميعًا مِنْ أَيْنَ جَاءُوا؟ فَقَالُوا جَميعًا: جئْنَا من عِنْدِ الله، لكان المعنَى فِيه صَحِيحًا على مَذْهَبِنَا، لا على مَذْهَبِكُم؛ لأنَّ كُلاًّ بَعَثَهُم الله تعالى مِنَ السماءِ، وكُلًّا نَزَلوا من عنده في مَواطِنَ مخُتلفة، ولو نَزَلَ مائةُ ألفَ مَلَكٍ في مائةِ ألفَ مكانٍ من الأَرضِ؛ لجاءُوا من عند الله، وإنما قِيلَ من عند الله؛ لأنَّ اللهَ تَبَاركَ وتعالى فَوْقَ السماءِ، والملائِكةَ في السَّماواتِ، وبَعْضَهُم حَافُّونَ بِعَرْشِهِ، فَهُمْ أَقْرَبُ إِلى عَرشِ الرَّحْمَنِ مِن أهل الأرض، ومما يُبَيِّنُ ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦)} [الأعراف: ٢٠٦].

ففي هذه الآية بيانٌ لتحقيق ما ادَّعَيْنَا لِلْحَدِّ؛ فإنه فوق العرش بائِنٌ مِن خَلْقِهِ، ولإِبطال دَعْوَى الذين ادَّعوا أن اللهَ في كُلِّ مكانٍ، لأنه لو كان في كل مكان؛ مَا كَانَ لِخُصوصِ الملائكة أنهم عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ مَعْنَى، بَلْ كَانَت الملائكةُ والجِنُّ والإِنْسُ، وسَائِرُ الخَلْقِ كُلُّهم عند ربك في دَعْوَاهُم بِمَنْزِلَةٍ واحِدَةٍ، إِذْ لَو كَانَ في كل مكان؛ إذًا لذهب معنى قَوْلِهِ لا يستكبرون عن عبادته ويُسَبِّحُونَهُ ولَهُ يَسْجُدُونَ؛ لأن أكثر أهل الأرض من الجن والإنس من يستكبر عن عبادته ولا يسجد له، ولكن خَصَّ الله بهذه الصفة الملائكة الذين هم عنده في السماوات، فَأَوْطَئُوا بهذه الآية وأَقْرَعُوا بها رُؤُوسَهُم عند دعواهم أن الله في كل مكان، فإنها آخذةٌ بِحُلُوقِهِم، لا مَفَرَّ لهم

<<  <   >  >>