قال أبو سعيد رحمه الله: والحُجَّةُ لقول ابن المبارك؛ قول الله تبارك وتعالى {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}[الزمر: ٧٥] فلماذا يحفون حول العرش، إلا لأن الله - عز وجل - فوقه، ولو كان في كل مكان لحفُّوا بالأمكنة كلِّها، لا بالعرش دونها، ففي هذا بيانٌ بَيِّنٌ للحَدِّ، وأن الله فوق العرش، والملائكة حوله، حافون يسبحون، ويقدسونه ويحمل عرشه بَعْضُهُم، قال الله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}[غافر: ٧].
قال أبو سعيد رحمه الله: فَسَمِعْتُ محتجًا يحتج عنهم في إنكارهم الحدَّ والنُّزولَ، وفي قولهم هو في كل مكان، بحديث أربعة أملاك التَقَوا، أحدهم جاء من المشرق، والآخر من المغرب، والثالث من السماء، والرابع من الأرض، فقالوا أربعتهم: جئنا من عند الله.
فقلت: إِنَّ أفلسَ الناسِ من الحديث، وأَفْقَرَهُم فيه، الذي لا يجدُ من الحديثِ ما يَدفَعُ بِهِ تلك الأحاديث الصحيحة المشهورة في تلك الأبواب، إلا هذا الحديث، وهو أيضًا من الحديث أَفْلَسَ؛ لأن هذا الحديث لو صَحَّ كان عليه، لا له.
فالحمد لله؛ إذ ألجأتهم الضرورةُ إلى هذا وما أشبهه؛ لأنهم لو وجدوا حديثًا منصوصًا في دعواهم؛ لاحتجوا به، لا بهذا، ولكن حين أيسوا من ذلك، وأعياهم طَلَبُه؛ تعلقوا بهذا الحديث المشتبه على جُهَّال الناس لِيُرَوِّجُوا بسببه عليهم أُغْلُوطَةً، وسنبين لهم ما اشتبه عليهم من هذا الحديث إن شاء الله؛ حتى يعلموا أنه عليهم لا لهم.
قلنا: هذا الحديثُ لو صَحَّ؛ لكان معناه مَفهُومًا معقولًا، لا لَبْسَ له أنهم جاءُوا كُلُّهم من عِنْدِ اللهِ كما قَالوا؛ لأَنَّ اللهَ تعالى على عَرشِهِ فَوْقَ سَماواتِهِ،