"وإني - على نهجي الذي انتهجت منذ أول كتاب نشرت - أدعو النقاد إلى إظهاري على أوهامي فيها، وتبيين ما دقّ عن فهمي من معانيها، أو ندّ عن نظري من مبانيها؛ وفاء بحق العلم عليهم، وأداء لحق النصيحة فيه، لأبلغ بالكتاب فيما يستأنف من الزمان، أمثل ما أستطيع من الصحة والإتقان. والنشر فن خفي المسالك، عظيم المزالق، جمّ المصاعب، كثير المضايق؛ وشواغل الفكر فيه متواترة، ومتاعب البال وافرة، ومبهضات العقل غامرة، وجهود الفرد في مضمارها قاصرة؛ يؤودها حفظ الصواب في سائر نصوص الكتاب، ويعجزها ضبط شوارد الأخطاء ورجعها جميعا إلى أصلها؛ فيأتي الناقد وهو موفور الجمام فيقصد قصدها، ويسهل عليها قنصها. ومن أجل ذلك قلت - وما أزال أقول -: إنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن يعاون ناشريها يذكر ما يراه فيها من أخطاء، لتخلص من شوائب التحريف والتصحيف الذي منيت به، وتخرج للناس صحيحة كاملة".
وقد صدرت في نظراتي في كتب التراث عن هذا الأصل الذي ذكره الشيخ، غير أنها نظرات قارئ لا نظرات ناقد كما أسلفت، فإنني في خلال قراءة الكتاب أشير إلى الفوائد التي تمرّ بي، وإذا عنّت لي ملحوظة قيّدتها في حاشيته، وقد تقتضي كثرة المآخذ أو أهميتها أن أنشرها، مشاركةً للمحقق في أداء الأمانة، وشكرًا له على ما استفدت واستمتعت من الجهد الذي بذله في إخراج الكتاب، ونصحًا للدارسين؛ ولكن كثيرًا ما يغلب عليّ طبعي الذي أشرت إليه، فتبقى تعليقاتي زمنًا يطول أو يقصر، حتى يبعث باعث قويّ على إظهارها.
ومن بحوث هذه المجموعة بحث عن كتاب الجماهر في معرفة الجواهر للعالم العبقري المشهور أبي الريحان البيروني. وهو أقدم محتويات الكتاب، فقد تلقيت دعوة من "معهد أبي الكلام آزاد للبحوث" في حيدراباد الدكن