للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كتاب الرأي الصحيح في من هو الذبيح للفراهي (١)

من التحريفات الفظيعة التي ارتكبها اليهود في كتابهم، ما فعلوه في قصّة إبراهيم عليه السلام، ولأهّميتها الكبرى كان نصيبها من التلاعب أوفر من القصص الأخرى. فلم يكن الذين يزعمون أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه ليرضوا بأن يذهب إخوانهم بنو إسماعيل بطرف من شرف، بله اختصاصهم ببيت الله والمنحر والنبوّة الخاتمة. فلم يألوا جهدًا في لبس الحقّ بالباطل، وحاولوا أن يغيّروا بنية القصّة كلّها بالحذف والتبديل والتقديم والتأخير والكذب والافتراء، بغيًا وظلمًا وحسدًا.

وإذا أنعمت النظر في جهودهم لتحريف قصة إبراهيم عليه السلام وطمس معالمها وجدتّها ترمي من قريب أو بعيد إلى نقطة واحدة، وهي تمويه قصّة الذبيح. فإنّها مركز الإشعاع في هذه القصّة وقطب رحاها بل إنسان عينها، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره. فترى أمر الذبيح في كتابهم عجبًا، فهو يستعلن من حيث يعتمّدون إخفاءه، وكلّما أخفوا جانبًا منه انكشف جانب آخر على رغم أنوفهم.

ولما رأى أهل الكتاب أن القرآن الكريم لم ينصّ على الذبيح، ومن ناحية أخرى وجدوا المسلمين يؤمنون برسل الله وأنبيائه جميعًا لا يفرّقون بين أحد من رسله، ولا يحملون في صدورهم حقدًا وتعصّبًا على الملل الأخرى، ولا يتحرّجون من الاستماع إلى كلام اليهود والنصارى في تاريخ الأوائل وقصص الغابرين وفيما لا يمسّ بعقائدهم وأصول دينهم، صادفوا فرصة سانحة لبثّ


(١) نشر في صدر كتاب الرأي الصحيح، الطبعة الثانية، الدائرة الحميدية، الهند، ١٤١٤ هـ. وقد صدرت طبعة ثالثة منه سنة ١٤٢٠ هـ عن دار القلم بدمشق.

<<  <   >  >>