للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أكاذيبهم ودسّ أقاويلهم بين المسلمين. ومنهم، من الذين أسلموا منهم تلقّيت الإسرائيليات التي ملأت كتب التفسير والتاريخ، وأثارت عثيرًا ضلّت فيه الحقائق بعض الأحيان أو كادت. وكم من قول صار أشهر الأقوال، كأنّه أحسنها، وإنما هو أضعفها وأوهنها.

والقرآن الكريم ينبّه على تحريفات أهل الكتاب ويقيم الحجّة عليهم، ولكن له طرائقه وأساليبه الحكيمة في الاحتجاج والجدال بالتي هي أحسن. فمن غفل عنها، ولم يتدبّر نظام الآيات حقّ التدبّر خفيت عليه مقاصد الكلام، ويخشى أن تجوز عليه دسائس المبطلين.

وقد حدث ذلك في تفسير القرآن الكريم وخاصّة في قصص النبيّين، وبوجه أخصّ في قصّة إبراهيم عليه السلام. فمع أن أمر الذبيح لم يكن من الدقّة والخفاء بمكان كبير، جنح بعض كبار المفسّرين رحمهم الله إلى أنه إسحاق عليه السلام، وانتصر لقوله كالإمام ابن جرير (ت ٣١٠ هـ). ومنهم من اكتفى بسرد الروايات دون نقد. ومنهم من ذكر القولين دون ترجيح إلاّ أنه قدّم القول بكون الذبيح إسماعيل ممّا يشير إلى رجحان ذلك عنده. وبعضهم قال إنّ ذلك هو الأظهر.

أمّا الذين صرّحوا ببطلان هذا المذهب، ولم تغرّهم الأقوال المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين، فهم العلماء المحقّقون النقّاد الذين كانوا من أهل العلم بالقرآن، وقد اطلعوا على كتب اليهود والنصارى أيضًا، نحو شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) وتلميذه الإمام ابن القيم (ت ٧٥١ هـ) رحمهما الله. يقول ابن القيم في زاد المعاد: "وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأمّا القول بأنّه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنّما هو متلقّى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنصّ كتابهم! " (١).


(١) زاد المعاد: ١/ ٧١.

<<  <   >  >>