للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونصّ كلام شيخ الإسلام في الفتاوى: " ... وفي الجملة فالنزاع مشهور ولكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل. وهذا الذي عليه الكتاب، والسنة، والدلائل المشهورة، وهو الذي تدلّ عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب" (١).

ومنهم الحافظ ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) الذي يقول في تفسيره: "وما أظن ذلك - يعني القول بأنّ الذبيح إسحاق - تلقّي إلاّ عن أحبار أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلَّمًا بغير حجّة" (٢).

وكان يجب بعد هذا القول الفصل في القضية أن ينحسم الخلاف فيها، ولا يتلجلج أحد في هذا الحق الأبلج، ولكنّ للروايات سلطانًا على النفوس، وتعلّقًا بالقلوب. والذين يعتمدون عليها أكثر من اعتمادهم على نظام الآيات وسياق الكلام ودلالات الألفاظ والأساليب يشقّ عليهم التخلي عنها، فألّف العلامة السيوطي (ت ٩١١ هـ) بعدما اطلع على كلام الإمام ابن القيم رسالةً في الذبيح سمّاها "القول الفصيح" (٣) ولكنّه ختمها بقوله: "وكنت ملت إليه - يعني القول بأنّ الذبيح إسحاق - في علم التفسير. وأنا الآن متوقّف في ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم" (٤)، فأراد السيوطي - رحمه الله - كما ترى أن يفصح فأعجم وجمجم. ولعلّ وقوفه على كلام ابن القيم هو الذي أدّاه إلى التوقّف في هذه المسألة، ولولا ذلك لظلّ على مذهبه السابق الذي نسبه القرطبي للأكثرين! (٥).

وقد تناول عدد من العلماء غير السيوطي مسألة الذبيح في رسائل مفردة نحو مكي بن أبي طالب القيسي (ت ٤٣٧ هـ) في "كتاب الاختلاف في الذبيح


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٤/ ٣٣١.
(٢) تفسير ابن كثير: ٤/ ١٦.
(٣) هذه الرسالة ضمن كتاب الحاوي للفتاوى للسيوطي: ١/ ٤٩٢ - ٤٩٨.
(٤) الحاوي ١/ ٤٩٨.
(٥) تفسير القرطبي: ١٥/ ٩٩.

<<  <   >  >>