وكان من حسن حظ العلم والأدب والشعر أن من آثار البيروني الخالدة التي أفلتت من أيدي الضياع كتابًا في الجواهر والفلزات سمّاه "كتاب الجماهر في معرفة الجواهر" نشرته دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن سنة ١٣٥٥ هـ، وقد بالغ المستشرق الألماني الدكتور سالم الكرنكوي (١٨٧٢ - ١٩٥٣ م) في تصحيح الكتاب، ولكن الحاجة لا تزال ماسّة إلى طبعة محقّقة مضبوطة لهذا الكتاب القيّم، فقد بقي فيه من التصحيف والتحريف ما استعصى على المصحّح وشوّه الكتاب تشويهًا (١).
وقد صنّف البيروني هذا الكتاب في أواخر عمره لشهاب الدولة أبي الفتح مودود بن السلطان مسعود بن السلطان محمود الغزنوي (٤١٢ - ٤٤١)، كما صنّف له كتابًا آخر في المحاسن وهو الدستور، وكان السلطان مودود آخر ملك اتّصل به البيروني.
وكتاب الجماهر من أهم مصادر علم المعادن والجواهر والفلزات، ولكن ليس كتابًا علميًا يقتصر على المباحث العلمية فحسب، بل هو جدير - بفضل ما يحويه من ثروة لغوية وشعرية قيّمة - بأن يعد من مصادر الأدب والشعر واللغة والأخبار كذلك. فهو كتاب يجمع بين حقائق العلم، وغرائب الأخبار، ومحاسن الشعر، وبدائع القول، ولطائف النقد، وطرائف الحكم، وشوارد اللغة، وفوائد التاريخ والاجتماع والاقتصاد والفقه والتفسير وكل ما له صلة قريبة أو بعيدة بموضوع الكتاب.
وألّف البيروني كتاب الجماهر - وهو شيخ أحكمته التجارب - بعد ما طوّف في الآفاق وشاهد من صروف الزمان وتقلّبات الأحوال، وبعدما جال
(١) علمت بأخرة أنّ طبعة جديدة للكتاب صدرت في طهران بتحقيق الأستاذ يوسف الهادي سنة ١٩٩٥ م، ولمّا أطلع عليها.