وبعد ذكر أسماء الجواهر والفلزات في اللغات الأعجمية يفيض البيروني في تفصيل أسمائها وصفاتها العربية عند اللغويّين وأصحاب الجواهر شرحًا وتعليلًا ونقدًا ومقارنة. ولا يقتنع بمجرّد ما قاله علماء اللغة، ولكن يتعمّق في تحقيق معنى الكلمة. ويطيل النظر في دواوين الشعراء المتقدّمين منهم والمتأخّرين، ويحاول الوصول إلى أصلها والتغييرات التي طرأت عليها، فينتقد آراء اللغويين ويخالفهم أحيانًا ويدلّ على أخطائهم، ويؤيّد رأيه بكلام العرب ويستعين بثقافته اللغوية الواسعة التي بذَّ فيها علماء اللغة، فيتوسّع في المباحث اللغوية. وربّما يعقد فصلًا طويلًا في اللغة يستغرق سبع عشرة صفحة كفصل "أسماء اللآلي وصفاتها عند اللغويّين"(ص ١٠٧ - ١٢٤). وهنا تظهر شخصيّته اللغوية واضحة الملامح بارزة المعالم.
وإن هذه الثروة الغنية من الكلمات الأعجمية والعربية التي يزخر بها كتاب الجماهر تجعله من أهم مصادر اللغة، ومما يزيد قيمته اللغوية أن المعاجم اللغوية الموجودة تخلو من كثير من هذه الكلمات والفوائد اللغوية الأخرى، فلا يمكن الاستغناء عنه عند إعادة النظر في المعجمات العربية وإعداد معجم عربي موعب.
تحقيقات وتعليقات لغوية:
١ - ومن الكلمات التي أطال الكلام فيها وأكثر من الاستشهاد بالشعر حتّى استغرق البحث ثلاث صفحات كلمة "البحر" وكلمة "الجمانة". وقد استوعب البيروني كل ما قيل في سبب تسمية البحر بالبحر مع الشواهد الشعرية، فذكر أنّ عليّ بن عيسى اعتمد فيه الكثرة، وأبو حنيفة الدينوري السعة، ويرى صاحب ديوان الأدب أن البحر سمّي لاستبحاره أي انبساطه، وقيل إنه من أبحر الماء، إذا ملح، وقيل: سمّي بحرًا لبعد قعره وانشقاق الأرض وانخفاض وجهها بعمقه.