" ... فإن لكل علم رجالًا، بأيديهم ترتفع أعلامه، وعلى ألسنتهم تفتق أكمامه؛ ولكل عالم في علمه طريقًا قد استولى على مناره وتجديد آثاره. ومؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري في ذلك من بين من هو وقف على تحصيله، وحبيس في سبيله، عاكف الفكر من لدن شب إلى أن شاب على إرهاف قدوده وإخطاف خصوره، دائم الجدّ في تمييز لبابه من قشوره. وقد وفقه الله تبارك وتعالى منه في تفسير كتابه لغير واحد حتى استوى من مطولاته التي صنّفها على كتاب "إيجاز البيان في معاني القرآن" أوجز كتاب لفظًا، وأطوله وأبسطه معنى، يشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بياض. وكذلك أرشده سبحانه وتعالى في متفق الفقه من كتاب "التذكرة والتبصرة" إلى ألف نكتة حرّرها وأوجزها ... كما هداه جلّ وعزّ بفضله في مختلف الفقه من كتاب "ملتقى الطرق" إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها ... ولعلّ الكتابين غير زائدين على مائة ورقة بين بين. وهلم جرا في سائر الفنون إلى كل مجموع وجيز غاية الإيجاز، بمثله يعرف عمل العقل في صناعته التي هي الاختصار، وحرفته التي هي الاختيار. ولعلّ في تسهيل طريق المنبعثين إلى تحصيل ذلك من ثواب الله عزّ وجلّ ما يهب لفاعله حياة يحبر فيها، ويجعلها فيما يحب ويرضى وأن يرزقه مماتًا على صدق طاعته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ... ".
فأوضح بيان الحق أنه - بالإضافة إلى كتبه الكبيرة - ألّف في كل فنّ كتبًا بناها على الاختيار والاختصار. وجمع في كل كتاب رؤوس مسائله وعيون أقوال العلماء فيها بعد تحريرها وتلخيصها في عبارة موجزة غاية الإيجاز، ليكون مع غزارة فرائده خفيف المحمل قريب المأخذ، فجمع في كتاب إيجاز البيان أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بيض، وجمع في كتاب التذكرة