وتحدّث البيروني عن قوله تعالى {بيضاء لذَّة للشَّاربين} فقال: "البيضاء صفة الوعاء لا الشراب إذ لا يحمد ذلك منه في العادة، والمراد بهذا البياض: التعرّي عن الألوان كالبلور، لا الأبيض اليقق اللبني، فإنّ هذا البياض مع السواد متقابلان على التضاد ولن يشفّ واحد منها".
ثمّ قال (ص ١٨٣): "وعلى هذا المنهج وصفهم الأبيض النقي بالفضة ولا بمعنى الشفاف فليست الفضّة منه في شيء". ويقيس البيروني تركيب "قوارير من فضة" على ذلك، فإنّ "المقصود من أواني الزجاج هو الشفاف الصادق ليرى من خارجها ما في أجوافها، فإذا كانت فيها خواص الفضة لم يحصل المقصود".
وقد فصل القول في ذلك فقال (ص ٢٢٣): "إنّ المراد بها خواص القوارير دون خواص الفضّة، ولا مدخل للفضّة إلاّ من جهة التعارف ووقوع بياضها على العديم اللون دون الأبيض اللبني، كما أن الشعراء قصدوا في صفة الكؤوس بالبياض صفاءها ثمّ تجاوزوه إلى اللؤلؤ وقشوره ... ".
ونقل البيروني ما قال علي بن عيسى الرماني في تفسيره، ولعلّه هو الذي حمل البيروني على هذا التفصيل والتنبيه. قال الرماني: "إنّ الفضّة الشفافة كالبلور أفضل من الياقوت والدر، وهما أفضل من الذهب، فتلك الفضّة أفضل من الذهب".
يفند البيروني هذا القول فيقول: "هذا كلام خطبى خال عن محصول له، لا في الوجود ولا في الوهم، إذ لا يكاد يتصوّر غير ما شوهد له في الوجود نظير، إما لكله وإمّا لأجزائه في حالات مختلفة، ثمّ يتمكّن الوهم من جمعها وتركيبها، وإن استحال وجود ذلك التركيب في المعهود. وكل أبيض نقي براق فإنّه يشبه بالفضّة، ولم يشاهد قط أبيض شفاف، ولن يوجد في اللبن إلاّ بعد التجبن وتفصيل الأبيض منه، وأمّا المتعارف في هذا الأبيض على الذي عدمه