(عن)، وقد جعل جزءًا من الكلمة، فكأن الأصل كان de Ganges أي (عن كنكص) ".
إن التصرّف الذي حصل في هذه الكلمة، من نقلها إلى العربية مع حرف الجر في أوّلها، يذكرنا ببعض الكلمات الأعجمية التي عربوها بحذف أوّلها ظنًا منهم أنه حرف جر، نحو كلمة (مارستان) بمعنى المستشفى، أصلها في الفارسية: بيمارستان مركب من (بيمار) ومعناه: المريض. و (أستان) لاحقة تفيد معنى المكان، وتحذف همزتها في التركيب؛ ونحو كلمة (زماورد) لنوع من الطعام، أصلها بالفارسية:(بزماورد).
هذا الحوار الممتع الذي دار حول كلمة (دكنكص) يكشف عن أمر بالغ الخطورة، وهو أن تأصيل كلمة دخيلة قد يستعصي على عالم اللغة التي يرجع إليها الكلمة. وقد ينكر وجودها في لغته - وهو من أهلها - أشدّ الاستنكار، ويكون معذورًا في ذلك، لأنه لم يعرف اللغة الثالثة التي مرّت بها الكلمة في طريقها إلى اللغة العربية، وقد تغيّرت ملامحها في تلك المرحلة، فلمّا انتقلت منها إلى مستقرها الجديد ازداد تغيّرًا باعدها من أصلها.
إن كتب الدكتور ف. عبد الرحيم حافلة بمعالجات دقيقة بارعة كهذه، والمطلع عليها يتمنّى أن يتفرّغ الدكتور لدراسة ما تبقّى من الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية على هذا المنهج المشوق، فإنّه - كما قلت في كلمة سابقة نشرت في هذا الملحق قبل تسع سنوات - قلّما يدانيه أحد من علماء العربية المعاصرين فيما اجتمع له من الكفايات العلمية العديدة التي تجعله خير من يتصدّى لهذا الجانب الوعر من معجم اللغة العربية.