فإن فيه روايتين ذكرهما الشنتمري: إحداهما (وقى الأكارم)، بنصب (الأكارم) وفتح الواو من (وقى) وتشديد القاف، والثانية (ما وقى الأكارم) برفع (الأكارم) وضم الواو من (وقى) وكسر الكاف وتخفيفها، وهذه الرواية الثاني هي التي أولع جمهور الناس بها، وكلا الروايتين جائزة، والأولى هي المختارة، ومن أجل ذلك لا أكاد أعرج على الثانية.
وإنما صارت الأولى هي المختارة لما فيها من مطابقة بعض الألفاظ لبعض، وألفاظ البيت- على الرواية الثانية- لا يطابق بعضها بعضًا، وفيها مجاز، وحمل على المعنى دون الألفاظ، وذلك معدوم في الرواية الأولى، ألا ترى أن معنى البيت وتقدير ألفاظه على الرواية الأولى: ويحفظك من الحوب والغدر ما حفظ الأكارم قبلك، فجاء بالفعلين معًا على صيغة فعل الفاعل، وكان يجب في الرواية الثانية أن يقول: وتوقى من الحوب والغدر وما وقي الأكارم، فيأتي بالفعلين على صيغة ما لم يسم فاعله لتتلاءم الألفاظ وتتشاكل، فلما جاء بالفعل الأول على صيغة فعل الفاعل، وبالثاني على صيغة فعل ما لم يسم فاعله فتنافرت الألفاظ، واحتاج البيت إلى تأويل يصرف ألفاظه إلى التلاؤم والتشاكل، ووجه الصيغة في ذلك أن يقال: ويقيك: تضمن المعنى أنه قد وقي ذلك، فدلت صيغة فعل الفاعل على ما تضمنه الكلام من صيغة فعل المفعول، كما أن القائل إذا قال: ضرب زيد عمرًا فقد تضمن معنى ضرب عمرو، وهذا عكس قراءة من قرأ:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ}[النور: ٣٦]؛ لأن المفعول