(عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... فصار الخطأ، شر النساء البحاتر)
فقال بعضهم:(البحاتر) مبتدأ، و (شر النساء): خبر، وأنكرت أنها هذا القول، وقلت: لا يجوز إلا أن يكون (البحاتر) هو المبتدأ و (شر النساء) الخبر، فقلت له: الذي قلت- أعزك الله- هو الوجه المختار، وما قاله النحوي الذي حكيت عنه جائز، غير ممتنع، فقال: وكيف يصح ما قال؟ وهل غرض الشاعر إلا أن يخبر أن (البحاتر) شر النساء؟ ، وجعل يكثر من الموضوع والمحمول، ويورد الألفاظ المنطقية التي يستعملها أهل البرهان، فقلت له: أنت- أعزك الله- تريد أن تدخل صناعة المنطق في صناعة النحو، وصناعة النحو تستعمل فيها مجازات ومسامحات لا يستعملها أهل المنطق، وقد قال أهل الفلسفة: يجب أن تحمل كل صناعة على القوانين لمتعارفة بين أهلها، وكانوا يرون أن إدخال بعض الصناعات في بعض إنما// يكون من جهل المتكلم، أو عن قصد منه للمغالطة واستراحة بالانتقال من صناعة إلى أخرى إذا ضاقت عليه طرق الكلام.
وصناعة النحو قد تكون فيها الألفاظ مطابقة للمعاني، وقد تكون مخالفة لها إذا فهم السامع المراد فيقع الإسناد في اللفظ إلى شيء، وهو في المعنى مسند إلى شيء آخر، إذا علم المخاطب غرض المتكلم، وكانت الفائدة في كلا الحالين واحدة، فيجيز النحويون في صناعتهم:(أعطي درهم زيدًا) ويرون أن فائدته كفائدة قولهم: