جاءت به الشرائع، ويأمرنا بتأديب من تعرض لتعليل أوامرها ونواهيها، وتعاطي الخوض فيها» وهذه النفس أشرف النفوس التي في عالم الأركان وأعلاها، وهي السائسة المدبرة لسائر النفوس، ولا يتفق أن توجد هذه النفس الشريفة إلا في ذوي الفطر الكاملة، وهذه النفس لا تحتاج إلى اكتساب المعارف والعلوم بالمقاييس والمقدمات، كما تحتاج النفس الفلسفية؛ لأن المقاييس العلمية إنما هي قوانين وضعها ذوو الفطر الكاملة، تسديدًا وتقويمًا لذوي الفطر الناقصة، فإذا اتفق للإنسان في أصل مولده أن يعطى فطرة كاملة استغنى عن تلك المقاييس ووجد الأمور العقلية كأنها مصورة في نفسه.
وكما أنا نجد في الفطر الإنسانية فطرًا في نهاية النقص قريبة من فطر البهائم، كذلك لا محالة أن نجد فيها فطرًا في نهاية الكمال قريبة من فطر الملائكة، فتكون هذه الفطرة لا تحتاج [إلى تقويم بالمقاييس العلمية كما لا تحتاج الملائكة] بل يكفيها أقل إشارة وأيسر عبارة، ويكون الله- تبارك وتعالى- قد أكمل هذه الفطر في أصل خلقتها لتسوس العالم بوساطتها، وهذا يوجب أن تكون النبوة إلهامًا غير اكتساب.
(خواص النفس الكلية)
مرتبة هذه النفس الكلية عند من أثبتها من الفلاسفة تحت أفق العقل الفعال،