للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالإنسان- إذا اعتبر به المعتبر- أغرب المخلوقات صنعة، وأكثرها أعجوبة، ولهذا قالت الحكماء: «إن العرض في وجوده كمال الحكمة؛ لأنه انتظم بفطرته طرفي العالم، وصار واسطة بينهما، وكمال الطرفين بالواسطة التي تنتظمهما»، أرادوا بذلك أن الباري- جل جلاله- لما خلق جوهرًا معقولاً وجوهرًا محسوسًا، كان كمال الخلقة في أن خلق جوهرًا ثالثًا يصل بين الجوهرين، وينظم الطبيعتين، فصار الإنسان حدًا بين عالم العقل وعالم الحس، وصار من جهة صورته الطبيعية في أعلى مراتب الصور [الطبيعية، ومن جهة صورته العقلية في أدنى مراتب الصور] العقليات.

وفي كتب بني إسرائيل أن الإنسان خلق على التخوم بين الطبيعة المائية والطبيعة التي ليست بمائية، ويدل أيضًا على أنه واسطة بطبعه أنه من قسم الممكن، والممكن بطبيعته واسطة بين الواجب والممتنع، وقد قلت في ذلك على سبيل الوعظ:

(تتيه وقد أيقنت أنك ممكن ... فكيف لو استيقنت أنك واجب)

(وهل لك عن عدن إذا مت أو لظى ... محيص ترجي أو عن الله حاجب)

<<  <   >  >>