للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعقول، وكان كمال تجوهر الإنسان بإدراكهما معًا، وكان مهيأ بفطرته لذلك صار الإنسان إذا أدرك المحسوسات والمعقولات قد تصور بصورة العالم الأكبر، فالإنسان- إذن- يستحق أن يسمى عالمًا صغيرًا من جهتين:

إحداهما: خلقة لا عمل له فيها، والثانية: اكتساب يكتسبه، إلا أن سعادته إنما هي بالاكتساب وحصول العقل المستفاد.

وأما// الخلقة فإنما هي هيئة واستعداد جعل معرضًا بهما لنيل السعادة، إن فهم ذاته وعلم مرتبته من العالم، أي مرتبة [تحصيل؟ هي نجا وسعد، وإن جهل ذاته ولم يعرف أي مرتبة] كونه آخر الموجودات هلك وطال شقاؤه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وقال: «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربه»، وقال لعلي- رضي الله عنه-: «تعرف إلى الله [تعالى] بعقلك إذا تعرف الناس إليه بأعمالهم»، ولهذا الذي قدمناه صار العالم خمسة أصناف من الوجود سوى وجوده في علم البارئ تعالى: وجود في العقل الفعال، ووجود في النفس الكلية، ووجود في الهيولى، ووجود في قوة الإنسان المتخيلة، ووجود في قوته الناطقة، إذا حصل له العقل المستفاد، فيصير بهذا الاعتبار كالدائرة التي تبدأ من نقطة وتعود إليها؛ لأن مبدأه أن يكون صورة مجردة في العقل، ونهايته أن يصير صورة مجردة في العقل، وعند ذلك يتصور العقل الجزئي بصورة العقل الكلي، ويصير الإنسان موضوعًا بصورة العالم، يحمل صورة في ذاته، كما تحمل الهيولى الصورة.

<<  <   >  >>