لمعنى آخر على الخلاف في ذلك، فقيل: رجل، ورس، وحمار، ونحو ذلك. فصارت هذه الأسماء تنوب في تصور المعاني في نفوس السامعين مناب المسميات أنفسها لو شاهدوها. فإذا قال القائل: رأيت جملا، تصور من هذا الاسم في نفس السامع ما كان يتصور من المسمى الواقع تحته لو شاهده. فلما ناب الاسم من هذا الوجه مناب المسمى في التصور، وكان المتصور من كل واحد منهما شيئا واحدا، جاز من هذا الوجه أن يقال: إن الاسم هو المسمى على ضرب من التأويل، وإن كنا لا نشك في أن العبارة غير المعبر عنه، فهذا وجه.
والوجه الثاني: أكثر ما يتبين في الأسماء التي تشتق للمسمى من معان موجودة فيه، قائمة به، كقولنا لمن وجدت فيه الحياة: حي، ولمن وجدت فيه الحركة: متحرك، ونحو ذلك. فالاسم في هذا النوع لازم للمسمى، يرتفع بارتفاعه، ويوجد بوجوده. ألا ترى أن الحياة إذا بطل وجودها من الجسم بطل أن يقال له: حي، وإذا بطل أن يقال له: حي بطل أن تكون به حياة؟ ! وكذلك إذا بطل وجود الحركة في الجسم بطل أن يقال له: متحرك، وإذا بطل أن يقال له: متحرك بطل أن تكون فيه حركة؟ فيجوز من هذت الوجه أيضا أن يقال: إن الاسم هو المسمى، إذا كان يوجد بوجوده، ويرتفع بارتفاعه على ضرب من التأويل، وإن كنا لا نشك أن العبارة غير المعبر عنه.
والوجه الثالث: أن العرب قد تذهب بالاسم إلى المعنى الواقع تحت التسمية، فيقولون: هذا مسمى زيد، [أي] هذا المسمى بهذه اللفظة التي هي: الزاني، والياء، والدال.
ويقولون في هذا المعنى: هذا اسم زيد، فيجعلون الاسم والمسمى في هذا الباب مترادفين على المعنى الواقع تحت التسمية، كما جعلوا الاسم والتسمية في الباب الأول مترادفين على العبارة. وهذا باب طريف من كلام العرب يحتاج إلى فضل نظر، ويجي في كلام العرب على ضر بين: أحدهما: صرح فيه بلفظ الاسم حتى بان لمتأمله. والثاني: لم يصرح فيه بلفظ الاسم، ولكنه موجود من طريق المعنى.