وفي الفرق الثامن عشر: إن ما يمكن أن ينوي ينقسم إلى مطلوب وغير مطلوب فغير مطلوب لا ينوي من حديث هو غير مطلوب، بل قد يقصد بالمباح التقوى على المطلوب كما يقصد بالنوم التقوى على قيام الليل فمن هذا الوجه تشرع نيته لا من حيث إنه مباح والمطلوب قسمان: نواه وأوامر، فالنواهي لا يحتاج فيها إلى النية شرعا بل يخرج الإنسان من عهدة المنهي عنه بمجرد تركه، وإن لم يشعر به فضلا عن القصد له لكنه إن نوى بتركها وجه الله تعالي حصل الثواب وكان التراث قربة.
وأما الأوامر فقسمان، أيضا: منها: ما تكون صور أفعالها كافية في تحصيل مصالحها فلا يحتاج إلى النية كدفع الديون ورد المغصوب ونفقات الزوجات والأقارب وعلف الدواب ونحو ذلك فهذا القسم مستغن عن النية شرعا، فمن دفع دينه غافلا عن قصد التقرب به أجزأ عنه، ولا يفتقر إلى إعادته مرة أخرى نعم إن قصد في هذه الصور كلها امتثال أمر الله تعالى فيها حصل له الثواب، وإلا فلا.
القسم الثاني: ما لا تكون صورته كافية في تحصيل مصلحته فهذا القسم هو المحتاج إلى النية كالعبادات، فإن الصلاة شرعت لتعظيم الرب تعالى وإجلاله، والتعظيم إنما يحصل بالقصد ألا ترى أنك لو صنعت ضيافة لإنسان فأكلها غيره من غير قصدك لكنت معظما للأول دون الثاني، بسبب قصدك، فما لا قصد فيه لا تعظيم فيه، فيلزم أن العبادات كلها يشترط فيها القصد لأنها إنما شرعت لتعظيم الله تعالى فهذا هو ضابط ما تمكن فيه النية وما لا تمكن وضابط ما يحتاج إلى/ ٢١٤ - أالنية وما لا يحتاج شرعًا.