فإن قيل: علام تحمل رواية مسلم في تقديم الإسلام؟ قلنا: تحمل على التقديم والتأخير من بعض الرواة بناء على الرواية بالمعنى، أما الجمع بينهما بوجه من الوجوه فعسر جدًّا.
البحث السابع: قوله: "فأخبرني في الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" اعلم أنه فسر الإحسان بالمراقبة والإخلاص في العبادة، وأن الإنسان يشاهد الله عزَّ وجلَّ بعين إيمانه مطلعا عليه في جميع أحواله حتى كأنه يشاهده عيانا فلا يَنْحرِف في عبادته عن الطريق الذي نهجه له الشرع وأدَّاه إليه طريق المعرفة، فإن الله عزَّ وجلَّ قائم على كل نفس بما كسبت، مشاهد لكل واحد من خلقه في حركته وسكونه، فمن أحسن الأدب أحسن إليه، ومن أساء الأدب عاقبه أو عفا عنه، فمن اعتقد هذا وصدق به جرى على طريق الاستقامة، ووقى الحسرة والندامة، وكان في عبادة الرب جل جلاله كشخص ضعيف، بين يدي ملك جبار قوي بينهما حجاب، وهو يتيقن أنه ملاحظ له فإنه يتحرى أن لا يصدر منه سوء أدب فيأمر بتأديبه عليه. واعلم أن العبادة تكون إما بالقلب كالإيمان، وإما بالبدن كالإسلام، ولما كان الإحسان هو المراقبة في العبادة كان الإحسان هو المراقبة والإخلاص في الإيمان والإسلام فلا يظهر الإيمان رياء أو خوفا فيكون منافقا، ولا يظهر أعمال الإسلام كالصلاة ونحوها لغير الله عزَّ وجلَّ، فيكون مرائيا مشركا، بل يرى أن الله عزَّ وجلَّ معه مطلع عليه وأقرب إليه مما سواه فلا يعبد إلا إياه ولا يراقب سواه، وعلى هذا فالإحسان شرط في الإسلام والإيمان أو كالشرط فيهما إذ بدون الإخلاص والمراقبة فيهما