ودليل آخر: أن الدية معلومة موقتة، والله سبحانه لم يذكر ها هنا دية، وإنما قال:{فمن عفي له من أخيه شيء} وشيء نكرة ليس فيه ألف ولام، والدية معروفة فدل بهذا أن ذلك الشيء المذكور به يكون الاتباع فلما لم يوقته سبحانه دل أن الأمر فيه إلى اتفاقهما.
ولو كان كل ما بله مما يقل أو يكثر يجب قبوله منه استحال هذا، والعمد ليس فيه دية منصوصة بكتاب الله ولا سنة رسول الله، إلا التراضي على شيء يجتمعان عليه، فإذا لم تدل هذه الآية على توقيت معلوم لم يبق إلا ما يتراضيان [به]، وكان ذلك أقوى دليل أن المعفو له لذلك [] هو الذي يطلب ذلك الشيء ويتبعه، وهو ولي المقتول به، والعافي على هذا القاتل بتركه للمال الذي بذل، والعفو الترك.
وأما احتجاجه بالحديث الذي ذكر، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل. فالمعنى في قوله: وإن أحبوا أخذوا العقل، يعني: إذا بذل لهم، لا على أنه يكره على غرم الدية، بدليل ما ذكرنا من ظاهر معنى الاية.
ولولا ما دلت عليه الآية والحديث ما جاز للولي أخذ الدية إذا بذلت له لما كان يمنع من ذلك من قول الله تعالى:{ولكم في القصاص حياة} ففي القصاص نفع عام، غير أنه خفف عنا، فجوز لنا اخذ المال بدلا من الدم، وقد روينا للنبي عليه السلام مفسرا، على هذا المعنى الذي تأولنا في الحديث الذي ذكر هذا الرجل.