أهل العرب فإنها في هذا الموضع يراد بها الاستدامة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد نوى الصيام من الليل، ثم فكر في الإفطار إن وجد طعاما، فلما لم يجده قال: فإني إذا صائم؛ يعني: مستديم لما كنت عليه.
وهذا مثل من يريد سفرا وهو مقيم ببلده، فسأل عن الطريق فخبر بفسادها وأن السفر شاق فيه؛ فيقول جوابا عن ذلك: فأنا إذا مقيم. وقد علمنا أن هذا قول صحيح ليس بلغو، وليس يقصد به استئناف إقامة؛ فإنما يريد استصحاب الإقامة واستدامتها، وإبطال ما كان عزم عليه أو حدث نفسه من قطعها؛ فكذلك سبيل قوله:"إني إذا صائم".
فإن قيل: قول هذا القائل: (إني إذا مقيم) معناه: إني مستأنف إقامة غير الأولى.
قلنا: وهذه الإقامة التي يستأنفها هي انتقال إلى شيء غير ما كان عليه فلابد من لا لأنه مقيم في الأول والثاني. وإذا كان كذلك فهذا معنى الاستدامة التي عنيناها: لأنا لم نرد بقولنا إنها للاستدامة أنه يفعل نفس ما كان يفعله، وإنما أردنا أنه على ما كان عليه غير ناقض له ولا منتقل إلى غيره، وعلى أنهم إن رضوا بذلك فنحن نقول: إنه مستأنف صوما؛ لأن الإمساك الذي يفعله من بعد هو غير الأول.
فإن قيل: لا يصح هذا؛ لأنه أخبر له مستأنف صوما وأنتم لا تقولون الإمساك من وقت قوله؛ فإني إذا صائم يسمى صوما.
قيل له: ليس الأمر على ما قلته؛ لأن هذا الإمساك الذي يستأنفه يسمى صوما إذا اقترن بما قدمه، ولم يقل إني إذا صائم صوما منفردا لا ينضم إليه غيره.