قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب رحمه الله: هذا إذا كانت أيام اعتكافه لا يتهللها يوم الجمعة جاز الاعتكاف في أي مسجد شاء؛ لأن من شرطه ألا يكون إلا في المسجد، وليس في شرطه أن يكون في مسجد مخصوص؛ كما أن من شرطه أن يكون في صوم، وليس من شرطه أن يكون في صوم مخصوص.
ويدل على ذلك ما احتج به مالك رحمه الله من قوله تعالى:{وأنتم عاكفون في المساجد}.
قال: فعم المساجد كلها، ولم يص منها شيئا، ولا خلاف أعلمه في ذلك.
فأما إذا كانت أياما تلزمه فيها الجمعة، وكان ممن تجب عليه الجمعة، أو في بلد يلزمه فيه الجمعة فلا يجوز له الاعتكاف إلا في الجامع، لا من أجل أن الاعتكاف لا يجوز في غيره من المساجد، لكن لأنه متى لم يعتكف فيه أدى إلى أحد أمرين ممنوعين: إلا أن يخرج إلى الجمعة؛ فينتقض بذلك اعتكافه؛ لأنه لا يجوز له الخروج إلا لحاجة الإنسان أو لما لعله أن تدعوه الضرورة إليه من شراء طعام وغيره، أو أن يتم على اعتكافه فيترك الجمعة، ووجوبها آكد من الاعتكاف.
فكان الوجه في ذلك ما قلناه من أن يبتدئ الاعتكاف في المسجد.