فلما كان هذا غير جائز عليهم، وكان الذي أمننا من ذلك اجتماعهم على نقله مع امتناع التساعف والتواطؤ واعتماد الكذب على مثل عددهم، فكذلك سبيل نقلهم الصاع والمد.
فإن قيل: لو كان سبيل نقلهم الصاع والمد سبيل نقلهم للقبر والمنبر لم يقع فيه خلاف، ولم يجز أن يختلف النقل؛ فيروي أهل المدينة شيئا ويروى غيرهم خلافه؛ كما لم يجز مثل ذلك في نقل القبر والمنبر.
فلما وجدنا الخلاف واقعا في ذلك علمنا أنه ليس بنقل منهم خلفا عن سلف، وإنما هو تقليد لبعض أسلافهم، أو غير ذلك.
فالجواب: إن هذا غير صحيح؛ وذلك أن وقوع الخلاف في الشيء لا يسقط قيام الحجة به؛ ألا ترى أن قائلا لو قال: إن النقل المتواتر لا يوجب العلم الضروري لأنه لو وجب ذلك لم يقع عليه خلاف في المشاهدات والمحسوسات وغير ذلك من الضرورات.
لقلنا له: إن هذا لا يقدح في موضع الحجة؛ لأن دفع الدافع للأمر الذي قد علمت صحته [ق/٧٥] وقامت الحجة به ترك قبول لا يخرجه عن موجبه؛ فكذلك سبيل نقل أهل المدينة إذا كان نقلا متواترا يحتج بمثله؛ فلم يسقط بورود خلاف فيه لا يجري مجراه.
ومثل هذا نقل المصحف المجتمع عليه، وما ورد من القراءات الشواذ التي تخالفه في أنه لا يعتد بها ولا تؤثر في صحة نقل المصحف؛ فبان