فالدليل بدءا على فساد قول أهل العراق ما رواه يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: لا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا عجفاء ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خيفة الصدقة، وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية.
وروى محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا عمي ثمانة بن عبد الله ابن أنس أن أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- لما استخلف وجه أنسا إلى البحرين، وكتب له: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها: لا يجمع بين مفترق ولا يقرق بين مجتمع خشية الصدقة.
وهذا نهي لأرباب الماشية الذين يخشون الصدقة فيفرقون بين المجتمع ويجمعون بين المفترق، ليخف عنهم، ويقل ما يؤخذ منهم، فثبت بذلك أن الجمع والتفريق إذا لم يقصد به الفرار من الصدقة تأثيرا فيها، ولولا ذلك لم يكن للنهي عنه معنى إذا خيف من الصدقة، لأن الحكم لا يتغير به. فإن قيل: ولم زعمتم أن النهي يتوجه إلى أرباب الأموال؟
قلنا من قبل: إنه لا يخلو إما أن يكون متوجها إليهم أو إلى السعادة، فلما قرنه بخيفة الصدقة علمنا أنه أراد أرباب الأموال، لأن خيفة الصدقة لا تكون إلا منهم فيعملون تخفيفا عنهم بهذا الضرب من الفعل فنهوا عن ذلك. والعمال لا صدقة عليهم يخافونها، فلم يكن لتوجيه النهي إليهم معنى.