للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا أسلوب من الأساليب القرآنية يُراعي فيه طبيعة النفس البشريه المجبولة على محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه، فتجد القرآن يرغب الناس في اتباع الهدى من خلال الوعد بالخير المترتب على ذلك، ويُرهبهم من اتباع الباطل من خلال الوعيد المترتب على ذلك أيضًا، ولا شك أن الجمع بين الترغيب والترهيب مراعاة للتوازن النفسي عند الإنسان فهو في بعض الحالات أشد استجابة لدواعي المصلحة فينفعه الترغيب وفي حالات أخرى يكون أشد انسياقًا وراء الهوى والشهوات فلا يرعوي إلا بالترهيب، وكان من كرم الله تعالى أن كان الوعد لازمًا والوعيد بخلافه (١) ولقد أوفت سورة إبراهيم هذا الأسلوب القرآني حقه، ولقد استفتحت السورة بالترهيب في قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} (٢) وهو استفتاح مناسب حيث جاءت السورة لتعالج واقع الكفر والشرك فكان مناسبًا أن يتجه الخطاب إلى التخلية وذلك بالترهيب والتنفير من مآل ما هم عليه، ثم تكرر مثل هذا الترهيب والتهديد في قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ


(١) فالوعد من وعده الأمر ويقال في الخير وَعَد، وفي الشر أَوْعَد، وأما الوعيد فهو التهديد١، وأنبه بدايةً إلى أن الوعد لازم الوفاء أما الوعيد فيجوز إخلافه (لأنه انتقال من العدل إلى الكرم والانتقال من العدل إلى الكرم كرم وثناء١) والعرب تعرف هذا الفرق في المعنى كما قال الشاعر: وإني وإن أوعدته أو وعدته لمُخلف إيعادي ومُنجز موعدي (راجع غير مأمور شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله صفحة ٢٢٠)
(٢) سورة إبراهيم - آية ٢

<<  <   >  >>