ونوقشت أحاديث النهي عن الجلوس على القبر بأنها تدل على تأذي الميت بذلك وهذا يتفق مع قول من خصص المسلم بالمنع، وأما الكافر فإن إيذاءه بعد موته مقصود شرعاً، فلا حرج في فعله.
ج ـ دليلهم من القياس:
الوجه الأول: أن الأحاديث دلت على أنه لا يجوز الجلوس على القبر، وأن صاحبه يتأذى بذلك، مع أن الجلوس عليه ليس فيه مساس بجسد صاحبه، فلأن لا يجوز تقطيع أجزائه، وبقر بطنه الذي هو أشد انتهاكاً لحرمته من باب أولى وأحرى.
الوجه الثاني: أن من العلماء من نص على حرمة شق بطن المرأة الحامل الميتة لإنقاذ جنينها الذي رجيت حياته مع أن في ذلك مصلحة ضرورية، فلأن لا يجوز التشريح المشتمل على الشق وزيادة أولى وأحرى.
د ـ دليلهم من القواعد الشرعية: استدلوا بالآتي:
١- قاعدة ((الضرر لا يزال بالضرر))
٢- قاعدة ((لا ضرر ولا ضرار))
ووجه الاستشهاد بهاتين القاعدتين على حرمة التشريح:
أن القاعدة الأولى دلت على أن مفسدة الضرر ينبغي ألا تزال بمثلها، والتشريح فيه إزالة ضرر بمثله، وذلك لأن التعلم بواسطته موجب لإزالة ضرر الأسقام والأمراض بتعلم طرق مداواتها، ولكن هذه الإزالة يترتب عليها ضرر آخر يتعلق بالميت الذي شرحت جثته، وحينئذٍ يكون من باب إزالة الضرر بمثله، وهو الذي دلت القاعدة على عدم جوازه.
وأما القاعدة الثانية فقد دلت على حرمة الإضرار بالغير، والتشريح فيه إضرار بالميت فلا يجوز فعله.
٣- وعملاً بقاعدتي (سد الذرائع، ودرء المفسدة مقدم جلب المصلحة) .
وذلك نظراً إلى توسع بعضهم فيه، وإلى ما يحدث في غرف التشريح الخاصة بالمستشفيات الجامعية.
وأما إذنه فغير معتبر لأن بدن الإنسان ليس ملكه، وحتى لو قلنا بأنه ملكه فلو رضي الشخص بإسقاط حقه فلا يجوز له ذلك كما يحرم عليه قتل نفسه، قال القرافي: لا يباح شيء من بدنه بالإباحة (١) .
الترجيح:
(١) - ذكره في الفروق ونحوه في الموافقات.