فقوله في رواية مهنا (أكره طرح نفوسهم في البحر) فلأن في ذلك مباشرة منهم للقتل وإلا فقد يكون إلقاء أنفسهم في البحر أهون عليهم من حرارة النار لذا قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام ص٨٥: " ولو وقع بركاب السفينة نار لا يرجى الخلاص منها فعجزوا عن الصبر على تحملها مع العلم بأنه لا نجاة لهم من آلامها إلا بالإلقاء في الماء المغرق فالأصح أنه لا يلزمهم الصبر على ذلك إذا استوت مدتا الحياة في الإحراق والإغراق؛ لأن إقامتهم في النار سبب مهلك لا انفكاك عنه وكذلك إغراق أنفسهم في الماء لا انفكاك عنه وإنما يجب الصبر على شدة الآلام إذا تضمن الصبر على شدتها بقاء الحياة وههنا لا يفيد الصبر على ألم النار شيئاً من الحياة فتبقى مفسدة لا فائدة فيها"
... وقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص٩١:" وأصله أن الحريق إذا وقع في سفينة وعلم أنه لو صبر فيها يحترق ولو وقع في الماء لا يغرق فعنه يختار أيهما شاء وعندهما يصبر".
رابعاً: أن قتل المسلم بمباشرة أو تسبب من قريبٍ أو من بعيدٍ منهيٌ عنه شرعاً، وعلاج المريض الذي يتطلب علاجه هذه الأجهزة مأمورٌ به شرعاً وما أمر به أهون مما نهي عنه وقد نقل علي بن سعد عن الإمام أحمد أنه قال:(وما أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- عندي أسهل مما نهى عنه) وكذلك نقل عنه الجويني (الأمر أسهل من النهي) قال السيوطي في الأشباه والنظائر ص٨٧: اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذلك قال (صلى الله عليه وسلم) : إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه مااستطعتم وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) . وقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص٩٠-٩١: إذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالباً، لأن عتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات ...ومن ثم جاز ترك الواجب دفعاً للمشقة ولم يسامح في الإقدام على المنهيات خصوصاً الكبائر.